فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: يلتقيان في كل سنة مرة.
وقيل: معدان للالتقاء، فحقهما أن يلتقيا لولا البرزخ بينهما.
{برزخ}: أي حاجز من قدرة الله تعالى، {لا يبغيان}: لا يتجاوزان حدهما، ولا يبغي أحدهما على الآخر بالممارجة.
وقيل: البرزخ: أجرام الأرض، قاله قتادة؛ وقيل: لا يبغيان: أي على الناس والعمران، وعلى هذا والذي قبله يكون من البغي.
وقيل: هو من بغى، أي طلب، فالمعنى: لا يبغيان حالًا غير الحال التي خلقا عليها وسخرا لها.
وقيل: ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح، بل هو بذاته باق فيه.
وقال ابن عطية: والعيان لا يقتضيه.
انتهى، يعني أنه يشاهد الماء العذب يختلط بالملح فيبقي كله ملحًا، وقد يقال: إنه بالاختلاط تتغير أجرام العذب حتى لا تظهر، فإذا ذاق الإنسان من الملح المنبث فيه تلك الأجزاء الدقيقة لم يحس إلا الملوحة، والمعقول يشهد بذلك، لأن تداخل الأجسام غير ممكن، لكن التفرق والالتقاء ممكن.
وأنشد القاضي منذر بن سعيد البلوطي، رحمه الله تعالى:
وممزوجة الأمواه لا العذب غالب ** على الملح طيبًا لا ولا الملح يعذب

وقرأ الجمهور: {يخرج} مبنيًا للفاعل؛ ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة: مبنيًا للمفعول؛ والجعفي، عن أبي عمرو: بالياء مضمومة وكسر الراء، أي يخرج الله؛ وعنه وعن أبي عمرو، وعن ابن مقسم: بالنون.
واللؤلؤ والمرجان نصب في هاتين القراءتين.
والظاهر في {منهما} أن ذلك يخرج من الملح والعذب.
وقال بذلك قوم، حكاه الأخفش.
ورد الناس هذا القول، قالوا: والحس يخالفه، إذ لا يخرج إلا من الملح، وعابوا قول الشاعر:
فجاء بها ما شئت من لطيمة ** على وجهها ماء الفرات يموج

وقال الجمهور: إنما يخرج من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة، فناسب إسناد ذلك إليهما، وهذا مشهور عند الغواصين.
وقال ابن عباس وعكرمة: تكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر، لأن الصدف وغيرها تفتح أفواهها للمطر، فلذلك قال: {منهما}.
وقال أبو عبيدة: إنما يخرج من الملح، لكنه قال: {منهما} تجوزًا.
وقال الرماني: العذب فيها كاللقاح للملح، فهو كما يقال؛ الولد يخرج من الذكر والأنثى.
وقال ابن عطية، وتبع الزجاج من حيث هما نوع واحد، فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما، وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما، كما قال: {سبع سماوات طباقًا وجعل القمر فيهن نورًا} وإنما هو في إحداهن، وهي الدنيا إلى الأرض.
وقال الزمخشري نحوًا من قول ابن عطية، قال: فإن قلت: لم قال: {منهما}، وإنما يخرجان من الملح قلت: لما التقيا وصارا كالشيء الواحد، جاز أن يقال: يخرجان منهما، كما يقال: يخرجان من البحر، ولا يخرجان من جميع البحر، ولكن من بعضه.
وتقول: خرجت من البلد، وإنما خرجت من محلة من محالة، بل من دار واحدة من دوره.
وقيل: لا يخرجان إلا من ملتقى الملح والعذب. انتهى.
وقال أبو علي الفارسي: هذا من باب حذف المضاف، والتقدير: يخرج من أحدهما، كقوله تعالى: {على رجل من القريتين عظيم} أي من إحدى القريتين.
وقيل: هما بحران، يخرج من أحدهما اللؤلؤ ومن الآخر المرجان.
وقال أبو عبد الله الرازي: كلام الله تعالى أولى بالاعتبار من كلام بعض الناس، ومن أعلم أن اللؤلؤ لا يخرج من الماء العذب، وهب أن الغواصين ما أخرجوه إلا من المالح.
ولكن لم قلتم إن الصدف لا يخرج بأمر الله من الماء العذب إلى الماء الملح وكيف يمكن الجزم به والأمور الأرضية الظاهرة خفيت عن التجار الذين قطعوا المفاوز وداروا البلاد، فكيف لا يخفى أمر ما في قعر البحر عليهم؟ واللؤلؤ، قال ابن عباس والضحاك وقتادة: كبار الجوهر؛ والمرجان صغاره.
وعن ابن عباس أيضًا، وعلي ومرة الهمداني عكس هذا.
وقال أبو عبد الله وأبو مالك: المرجان: الحجر الأحمر.
وقال الزجاج: حجر شديد البياض.
وحكي القاضي أبو يعلى أنه ضرب من اللؤلؤ، كالقضبان، والمرجان: اسم أعجميّ معرب.
قال ابن دريد: لم أسمع فيه نقل متصرف، وقال الأعشى:
من كل مرجانة في البحر أحرزها ** تيارها ووقاها طينها الصدف

قيل: أراد اللؤلؤة الكبيرة.
وقرأ طلحة: {اللؤلؤ} بكسر اللام الثالثة، وهي لغة.
وعبد اللولي: تقلب الهمزة المتطرفة ياء ساكنة بعد كسرة ما قبلها، وهي لغة، قاله أبو الفضل الرازي.
{وله الجوار}: خص تعالى الجواري بأنها له، وهو تعالى له ملك السموات والأرض وما فيهن، لأنهم لما كانوا هم منشئيها، أسندها تعالى إليه، إذ كان تمام منفعتها إنما هو منه تعالى، فهو في الحقيقة مالكها.
والجواري: السفن.
وقرأ عبد الله والحسن وعبد الوارث، عن أبي عمرو: بضم الراء، كما قالوا في شاك شاك.
وقرأ الجمهور؛ {المنشآت} بفتح الشين، اسم مفعول: أي أنشأها الله، أو الناس، أو المرفوعات الشراع.
وقال مجاهد: ما له شراع من المنشآت، وما لم يرفع له شراع، فليس من المنشآت. والشراع: القلع.
والأعمش وحمزة وزيد بن علي وطلحة وأبو بكر: بخلاف عنه، بكسر الشين: أي الرافعات الشراع، أو اللاتي ينشئن الأمواج بجريهن، أو التي تنشىء السفر إقبالًا وإدبارًا.
وشدد الشين ابن أبي عبلة والحسن المنشأة، وحد الصفة، ودل على الجمع الموصوف، كقوله: {أزواج مطهرة} وقلب الهمزة ألفًا على حد قوله:
إن السباع لتهدى في مرابضها

يريد: لتهدأ، التاء لتأنيث الصفة، كتبت تاء على لفظها في الوصل.
{كالأعلام}: أي كالجبال والآكام، وهذا يدل على كبر السفن حيث شبهها بالجبال، وإن كانت المنشآت تنطلق على السفينة الكبيرة والصغيرة.
وعبر بمن في قوله: {كل من عليها} تغليبًا لمن يعقل، والضمير في {عليها} قليل عائد على الأرض في قوله: {والأرض وضعها للأنام}، فعاد الضمير عليها، وإن كان بعد لفظها.
والفناء عبارة عن إعدام جميع الموجودات من حيوان وغيره، والوجه يعبر به عن حقيقة الشيء، والجارجة منتفية عن الله تعالى، ونحو كل شيء هالك إلا وجهه.
وتقول صعاليك مكة: أين وجه عربي كريم يجود عليّ؟ وقرأ الجمهور: {ذو} بالواو، وصفة للوجه؛ وأبي وعبد الله: ذي بالياء، صفة للرب.
والظاهر أن الخطاب في قوله: {وجه ربك} للرسول، وفيه تشريف عظيم له-صلى الله عليه وسلم-.
وقيل: الخطاب لكل سامع.
ومعنى {ذو الجلالِ}: الذي يجله الموحدون عن التشبيه بخلقه وعن أفعالهم، أو الذي يتعجب من جلاله، أو الذي عنده الجلال والإكرام للمخلصين من عباده.
{يسأله من في السماوات والأرض}: أي حوائجهم، وهو ما يتعلق بمن في السموات من أمر الدين وما استعبدوا به، ومن في الأرض من أمر دينهم ودنياهم.
وقال أبو صالح: من في السموات: الرحمة، وسن في الأرض: المغفرة والرزق.
وقال ابن جريج: الملائكة الرزق لأهل الأرض، والمغفرة وأهل الأرض يسألونهما جميعًا.
والظاهر أن قوله: يسأله استئناف إخبار.
وقيل: حال من الوجه، والعامل فيه يبقى، أي هو دائم في هذه الحال.
انتهى، وفيه بعد.
ومن لا يسأل، فحاله تقتضي السؤال، فيصح إسناد السؤال إلى الجميع باعتبار القدر المشترك، وهو الافتقار إليه تعالى.
{كل يوم}: أي كل ساعة ولحظة، وذكر اليوم لأن الساعات واللحظات في ضمنه.
{هو في شأن}، قال ابن عباس: في شأن يمضيه من الخلق والرزق والإحياء والإماتة.
وقال عبيد بن عمير: يجيب داعيًا، ويفك عانيًا، ويتوب على قوم، ويغفر لقوم.
وقال سويد بن غفلة: يعتق رقابًا، ويعطي رغامًا ويقحم عقابًا.
وقال ابن عيينة: الدهر عند الله يومان، أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا، فشأنه فيه الأمر والنهى والإمانة والإحياء؛ والثاني الذي هو يوم القيامة، فشأنه فيه الجزاء والحساب.
وعن مقاتل: نزلت في اليهود، فقالوا: إن الله لا يقضي يوم السبت شيئًا.
وقال الحسين بن الفضل، وقد سأله عبد الله بن طاهر عن قوله: {كل يوم هو في شأن}: وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة فقال: شؤون يبديها، لا شؤون يبتديها.
وقال ابن بحر: هو في يوم الدنيا في الابتلاء، وفي يوم القيامة في الجزاء.
وانتصب {كل يوم} على الظرف، والعامل فيه العامل في قوله: {في شأن}، وهو مستقر المحذوف، نحو: يوم الجمعة زيد قائم. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {الرحمن عَلَّمَ القرءان}.
ارتفاع الرحمن على أنه مبتدأ، وما بعده من الأفعال أخبار له، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: الله الرحمن.
قال الزجاج: معنى: {عَلَّمَ القرءان} يسّره.
قال الكلبي: علم القرآن محمدًا، وعلمه محمد أمته، وقيل: جعله علامة لما يعبد الناس به، قيل: نزلت هذه الآية جوابًا لأهل مكة حين قالوا: {إنما يعلمه بشر} [النحل: 103]، وقيل: جوابًا لقولهم: وما الرحمن؟ ولما كانت هذه السورة لتعداد نعمه التي أنعم بها على عباده قدم النعمة التي هي أجلها قدرًا، وأكثرها نفعًا، وأتمها فائدة، وأعظمها عائدة، وهي نعمة تعليم القرآن، فإنها مدار سعادة الدارين، وقطب رحى الخيرين، وعماد الأمرين.
ثم امتنّ بعد هذه النعمة بنعمة الخلق التي هي مناط كل الأمور، ومرجع جميع الأشياء، فقال: {خَلَقَ الإنسان} ثم امتنّ ثالثًا بتعليمه البيان الذي يكون به التفاهم، ويدور عليه التخاطب، وتتوقف عليه مصالح المعاش والمعاد؛ لأنه لا يمكن إبراز ما في الضمائر، ولا إظهار ما يدور في الخلد إلاّ به قال قتادة، والحسن: المراد بالإنسان آدم، والمراد بالبيان: أسماء كلّ شيء، وقيل: المراد به: اللغات.
وقال ابن كيسان: المراد بالإنسان ها هنا: محمد صلى الله عليه وسلم، وبالبيان: بيان الحلال من الحرام، والهدى من الضلال، وهو بعيد.
وقال الضحاك: البيان: الخير والشرّ.
وقال الربيع بن أنس: هو ما ينفعه مما يضرّه، وقيل: البيان: الكتابة بالقلم.
والأولى حمل الإنسان على الجنس، وحمل البيان على تعليم كلّ قوم لسانهم الذي يتكلمون به.
{الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} أي: يجريان بحساب، ومنازل لا يعدوانها، ويدلان بذلك على عدد الشهور والسنين.
قال قتادة، وأبو مالك: يجريان بحسبان في منازل لا يعدوانها، ولا يحيدان عنها.